فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{وَلِيَعْلَمَ الله الذين ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ والله لاَ يُحِبُّ الظالمين} {وَلِيُمَحِّصَ الله الذين ءَامَنُواْ وَيَمْحَقَ الكافرين}.
عطف على جملة {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، فمضمون هذه علّة ثانية لجواب الشرط المحذوف المدلول عليه بقوله: {فقد مس القوم قرح مثله} وعلم الله بأنهم مؤمنون متحقق من قبل أن يمسهم القرح.
فإن كان المراد من {الَّذين آمنوا} هنا معنى الَّذين آمنوا إيمانًا راسخًا كاملًا فقد صار المعنى: أنّ علم الله برسوخ إيمانهم يحصل بعد مَسِّ القرح إيّاهم، وهو معنى غير مستقيم، فلذلك اختلف المفسّرون في المراد من هذا التَّعليل على اختلاف مذاهبهم في صفة العِلم، وقد تقرّر في أصول الدّين أن الفلاسفة قالوا: إنّ الله عالم بالكلّيات بأسرها، أي حقائق الأشياء على ما هي عليه، علمًا كالعِلم المبحوث عنه في الفلسفة لأنّ ذلك العلم صفة كمال، وأنَّه يعلم الجزئيات من الجواهر والأعراض علمًا بوجه كلّي.
ومعنى ذلك أنه يعلمها من حيث إنَّها غير متعلّقة بزمان، مِثالُه: أن يعلم أنّ القمر جسم يوجد في وقت تكوينه، وأنّ صفته تكون كذا وكذا، وأنّ عوارضه النورانية المكتسبة من الشَّمس والخسوف والسَّير في أمد كذا.
أمَّا حصوله في زمانه عندما يقع تكوينه، وكذلك حصول عوارضه، فغير معلوم لله تعالى، قالوا: لأنّ الله لو علم الجزئيات عند حصولها في أزمنتها للزم تغيّر علمه فيقتضي ذلك تغيّر القديم، أو لزم جهل العالِم، مثاله: أنه إذا علم أنّ القمر سيخسف ساعة كذا علمًا أزليًا، فإذا خسف بالفعل فلا يخلو إمّا أن يزول ذلك العلم فيلزم تغيّر العلم السابق فيلزم من ذلك تغيّر الذات الموصوفةِ به من صفة إلى صفة، وهذا يستلزم الحدوث إذ حدوث الصّفة يستلزم حدوث الموصوف، وإمّا أن لا يزول العلم الأول فينقلب العلمُ جهلًا، لأنّ الله إنَّما علم أنّ القمر سيخسف في المستقبل والقمر الآن قد خسف بالفعل.
ولأجل هذا قالوا: إنّ علم الله تعالى غير زماني.
وقال المسلمون كلّهم: إنّ الله يعلم الكلّيات والجزئيات قبل حصولها، وعند حصولها.
وأجابوا عن شبهة الفلاسفة بأن العلم صفة من قبيل الإضافة أي نسبة بين العالِم والمعلوم، والإضافات اعتباريات، والاعتباريات عدميات، أو هو من قبيل الصّفة ذات الإضافة: أي صفة وجودية لها تعلّق، أي نسبة بينها وبين معلومها.
فإن كان العلم إضافة فتغيّرها لا يستلزم تغيّر موصوفها وهو العالم، ونظَّروا ذلك بالقديم يوصف بأنه قبل الحادث ومعه وبعده، من غير تغيّر في ذات القديم، وإن كان العلم صفة ذات إضافة أي ذات تعلّق، فالتغيّر يعتري تعلّقها ولا تتغيّر الصّفة فضلًا عن تغيّر الموصوف، فعلمُ الله بأن القمر سيخسف، وعلمُه بأنه خاسف الآن، وعلمُه بأنه كان خاسفًا بالأمس، علم واحد لا يتغيّر موصوفة، وإن تغيّرت الصّفة، أو تغيّر متعلّقها على الوجهين، إلاّ أن سلف أهل السنّة والمعتزلة أبوا التَّصريح بتغيّر التعلُّق ولذلك لم يقع في كلامهم ذكر تعلقين للعلم الإلهي أحدهما قديم والآخر حادث، كما ذكروا ذلك في الإرادة والقدرة، نظرًا لكون صفة العلم لا تتجاوز غيرَ ذات العالم تجاوزًا محسوسًا.
فلذلك قال سلفهم: إنّ الله يعلم في الأزل أنّ القمر سيخسف في سنتنا هذه في بلد كذا ساعة كذا، فعند خسوف القمر كذلك عَلِم الله أنه خسف بذلك العلم الأوّل لأنّ ذلك العلم مجموع من كون الفعل لم يحصل في الأزل، ومن كونه يحصل في وقته فيما لا يزال، قالوا: ولا يقاس ذلك على علمنا حين نعلم أنّ القمر سيخسف بمقتضى الحساب ثمّ عند خسوفه نعلم أنه تحقّق خسوفه بعلم جديد، لأنّ احتياجنا لعلم متجدّد إنَّما هو لطريان الغفلة عن الأول.
وقال بعض المعتزلة مثل جَهْم بن صَفْوَان وهِشام بن الحَكم: إنّ الله عالم في الأزل بالكلّيات والحقائق، وأمَّا علمه بالجزئيات والأشخاص والأحوال فحاصل بعد حدوثها لأنّ هذا العلم من التصديقات، ويلزمه عَدم سبق العلم.
وقال أبو الحُسين البصري من المعتزلة، رادًّا على السلف: لا يجوز أن يكون علم الله بأنّ القمر سيخسف عين علمه بعد ذلك بأنه خسف لأمور ثلاثة: الأوّل التغايُر بينهما في الحقيقة لأنّ حقيقة كونه سيقع غيرُ حقيقة كونه وقع، فالعلمُ بأحدهما يغاير العلم بالآخر، لأنّ اختلاف المتعلّقين يستدعي اختلاف العالم بهما.
الثَّاني التغاير بينهما في الشرط فإنّ شرط العلم بكون الشيء سيقع هو عدم الوقوع، وشرط العلم بكونه وقَع الوقوعُ، فلو كان العلمان شيئًا واحدًا لم يختلف شرطاهُما.
الثَّالث أنه يمكن العلم بأنه وقع الجهل بأنه سيقع وبالعكس وغير المعلوم غير المعلوم (هكذا عبّر أبو الحسين أي الأمر الغير المعلوم مغاير للمعلوم) ولذلك قال أبو الحسين بالتزام وقوع التَّغير في علم الله تعالى بالمتغيِّرات، وأنّ ذاته تعالى تقتضي اتّصافه بكونه عالمًا بالمعلومات الَّتي ستقع، بشرط وقوعها، فيحدث العلم بأنها وجدت عند وجودها، ويزول عند زوالها، ويحصل علم آخر، وهذا عين مذهب جهم وهشام.
ورُدّ عليه بأنه يلزم أن لا يكون الله تعالى في الأزل عالمًا بأحوال الحوادث، وهذا تجهيل.
وأجاب عنه عبد الحكيم في حاشية المواقف بأنّ أبا الحسين ذهب إلى أنه تعالى يعلم في الأزل أنّ الحادث سيقع على الوصف الفلاني، فلا جهل فيه، وأنّ عدم شهوده تعالى للحوادث قبل حدوثها ليس بجهل، إذ هي معدومة في الواقع، بل لو علمها تعالى شهوديًا حينَ عدمها لكان ذلك العلم هو الجهل، لأنّ شهود المعدوم مخالف للواقع، فالعلم المتغيّر الحادث هو العلم الشهودي.
فالحاصل أنّ ثمة علمين: أحدهما قديم وهو العلم المشروط بالشروط، والآخر حادث وهو المعلوم الحاصلة عند حصول الشروط وليست بصفة مستقلّة، وإنَّما هي تعلّقات وإضافات، ولذلك جرى في كلام المتأخّرين، من علمائنا وعلماء المعتزلة، إطلاق إثباتتِ تعلّقٍ حادثثٍ لعلم الله تعالى بالحوادث.
وقد ذكر ذلك الشَّيخ عبد الحكيم في الرسالة الخاقانية الَّتي جعلها لِتحقيق علم الله تعالى غير منسوب لقائل، بل عبّر عنه بقيل، وقد رأيت التفتزاني جرى على ذلك في حاشية الكشاف في هذه الآية فلعل الشَّيخ عبد الحكيم نسي أن ينسبه.
وتأويل الآية على اختلاف المذاهب: فأمَّا الّذين أبو إطلاق الحدوث على تعلّق العلم فقالوا في قوله: {وليعلم الله الذين آمنوا} أطلق العلم على لازمه وهو ثبوت المعلوم أي تميّزه على طريقة الكناية لأنَّها كإثبات الشيء بالبرهان، وهذا كقول إياس بن قبيصة الطائي:
وأقبلت والخطيّ يخطِر بينا ** لأَعْلَمَ مَن جَبأنها مِنْ شجاعها

أي ليظهر الجبان والشُّجاع فأطلق العلم وأريد ملزومه.
ومنهم من جعل قوله: {وليعلم الله} تمثيلًا أي فعل ذلك فِعْلَ من يريد أن يعلم وإليه مال في الكشاف، ومنهم من قال: العلّة هي تعلّق علم الله بالحادث وهو تعلّق حادث، أي ليعلم الله الَّذين آمنوا موجودين.
قاله البيضاوي والتفتزاني في حاشية الكشاف.
وإن كان المراد من قوله: {الذين آمنوا} ظاهرَهُ أي ليعلم من اتَّصف بالإيمان، تعيّن التأويل في هذه الآية لاَ لأجل لزوم حدوث علم الله تعالى، بل لأنّ علم الله بالمؤمنين من أهل أُحُد حاصل من قبلِ أن يمسّهم القرح، فقال الزجاج: أراد العِلمَ الَّذي يترتّب عليه الجزاء وهو ثباتهم على الإيمان، وعدم تزلزلهم في حال الشدّة، وأشار التفتزاني إلى أنّ تأويل صاحب الكشاف ذلك بأنه وارد مورد التمثيل، ناظر إلى كون العلم بالمؤمنين حاصلًا من قبل، لا لأجل التحرّز عن لزوم حدوث العلم. اهـ.

.قال الفخر:

في هذه الآية وجوه:
أحدها: ليظهر الإخلاص من النفاق والمؤمن من الكافر.
والثاني: ليعلم أولياء الله، فأضاف الى نفسه تفخيما.
وثالثها: ليحكم بالامتياز، فوضع العلم مكان الحكم بالامتياز، لأن الحكم بالامتياز لا يحصل إلا بعد العلم.
ورابعها: ليعلم ذلك واقعًا منهم كما كان يعلم أنه سيقع، لأن المجازاة تقع على الواقع دون المعلوم الذي لم يوجد. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
العلم قد يكون بحيث يكتفى فيه بمفعول واحد، كما يقال: علمت زيدًا، أي علمت ذاته وعرفته، وقد يفتقر إلى مفعولين، كما يقال: علمت زيدًا كريما، والمراد منه في هذه الآية هذا القسم الثاني، إلا أن المفعول الثاني محذوف والتقدير: وليعلم الله الذين آمنوا متميزين بالإيمان من غيرهم، أي الحكمة في هذه المداولة أن يصير الذين آمنوا متميزين عمن يدعي الإيمان بسبب صبرهم وثباتهم على الإسلام، ويحتمل أن يكون العلم هاهنا من القسم الأول، بمعنى معرفة الذات، والمعنى وليعلم الله الذين آمنوا لما يظهر من صبرهم على جهاد عدوهم، أي ليعرفهم بأعيانهم إلا أن سبب حدوث هذا العلم، وهو ظهور الصبر حذف هاهنا. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}:

.قال الفخر:

المراد منه ذكر الحكمة الثانية في تلك المداولة. اهـ.
في هذه الآية قولان:
الأول: يتخذ منكم شهداء على الناس بما صدر منهم من الذنوب والمعاصي، فإن كونهم شهداء على الناس منصب عال ودرجة عالية.
والثاني: المراد منه وليكرم قومًا بالشهادة، وذلك لأن قوما من المسلمين فاتهم يوم بدر، وكانوا يتمنون لقاء العدو وأن يكون لهم يوم كيوم بدر يقاتلون فيه العدو ويلتمسون فيه الشهادة، وأيضا القرآن مملوء من تعظيم حال الشهداء قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] وقال: {وَجِئ بالنبيين والشهداء} [الزمر: 69] وقال: {فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69] فكانت هذه المنزلة هي المنزلة الثالثة للنبوة، وإذا كان كذلك فكان من جملة الفوائد المطلوبة من تلك المداولة حصول هذا المنصب العظيم لبعض المؤمنين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} أي يكرمكم بالشهادة؛ أي لِيُقتلَ قومٌ فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم.
وقيل: لهذا قيل شهيد: وقيل: سمي شهيدًا لأنه مشهود له بالجنة وقيل: سمى شهيدًا لأن أرواحهم احتضرت دار السلام، لأنهم أحياء عند ربهم، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة؛ فالشهيد بمعنى الشاهد أي الحاضر للجنة، وهذا هو الصحيح على ما يأتي والشهادة فضلها عظيم، ويكفيك في فضلها قوله تعالى: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الآية.
وقوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف: 10] إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ الفوز العظيم} [الصَّف: 12].
وفي صحيح البُسْتيّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يجِد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدُكم من القُرْحة».
وروى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة» وفي البخاري: من قُتل من المسلمين يوم أُحد منهم حمزةُ واليَمَان والنضر بن أنس ومصعب بن عُمير.
حدّثني عمرو بن عليّ أن معاذ بن هشام قال حدّثني أبي عن قتادة قال: ما نعلم حيًّا من أحياء العرب أكثر شهيدًا أعزّ يوم القيامة من الأنصار قال قتادة: وحدّثنا أنس بن مالك أنه قُتل منهم يوم أُحُد سبعون، ويوم بِئْر مَعُونَة سبعون، ويوم اليَمَامَة سبعون.
قال: وكان بئر معونة على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويوم اليَمَامةَ على عهد أبي بكر يوم مُسَيْلِمة الكذّاب وقال أنس: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعليّ بن أبي طالب وبه نيف وسِتون جراحة من طعنةٍ وضربةٍ ورمْيَةٍ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسحها وهي تَلْتَئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذه الآية على أن جميع الحوادث بإرادة الله تعالى فقالوا: منصب الشهادة على ما ذكرتم، فإن كان يمكن تحصيلها بدون تسليط الكفار على المؤمنين لم يبق لحسن التعليل وجه، وإن كأن لا يمكن فحينئذ يكون قتل الكفار للمؤمنين من لوازم تلك الشهادة، فاذا كان تحصيل تلك الشهادة للعبد مطلوبًا لله تعالى وجب أن يكون ذلك القتل مطلوبًا لله تعالى، وأيضا فقوله: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} تنصيص على أن ما به حصلت تلك الشهادة هو من الله تعالى، وذلك يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى. اهـ.

.قال القرطبي:

في قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} دليل على أن الإرادة غير الأمر كما يقوله أهل السنة؛ فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين: حمزةَ وأصحابِه وأراد قتلهم، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقَعه آدم، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرِده فامتنع منه؛ وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق: {ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: 46].
وإِن كان قد أمر جميعهم بالجهاد، ولكنه خلق الكَسَل والأسباب القاطعة عن المسِير فقعدوا. اهـ.

.قال الفخر:

الشهداء جمع شهيد كالكرماء والظرفاء، والمقتول من المسلمين بسيف الكفار شهيدًا، وفي تعليل هذا الاسم وجوه:
الأول: قال النضر بن شميل: الشهداء أحياء لقوله: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فأرواحهم حية وقد حضرت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها، الثاني: قال ابن الانباري: لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالجنة، فالشهيد فعيل بمعنى مفعول، الثالث: سموا شهداء لأنهم يشهدون يوم القيامة مع الأنبياء والصديقين، كما قال تعالى: {لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} [البقرة: 143].
الرابع: سموا شهداء لأنهم كما قتلوا أدخلوا الجنة، بدليل أن الكفار كما ماتوا أدخلوا النار بدليل قوله: {أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا} [نوح: 25] فكذا هاهنا يجب أن يقال: هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله، كما ماتوا دخلوا الجنة. اهـ.

.قال القرطبي:

رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال له: «خَيِّر أصحابك في الأسارى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفِداء على أن يقتل منهم عام المقبِل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن.
فأنجز الله وعده بشهادة أوليائه بعد أن خَيَّرهم فاختاروا القتل. اهـ.